الخطيب حاضر عن معنى ثورة الامام الحسين من الناحيتين التربوية والتعليمية في قاعة الجنان

ألقى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب كلمة في المجلس العاشورائي الذي اقامته جمعية التعليم الديني امس في قاعة الجنان، في حضور شخصيات سياسية، تربوية، اجتماعية وعلماء دين ومديري الجمعية واعضائها ومواطنين، قال فيها: “لثورة الإمام الحسين جوانب متعددة يمكن تناولها واستخلاص النتائج والعبر منها، إلا أننا ونحن في صرح تربوي وتعليمي التابع لجمعية التعليم الديني، رأينا من المناسب تناولها من هذا الجانب وهو من الأهمية بمكان لما له من تأثير مهم في بناء الشخصية المنتمية للإسلام والملتزمة تعاليمه والعاملة على تحقيق أهدافه في الحياة، وكما هو المنتظر من المؤسسات التربوية والتعليمية التي أخذت على عاتقها هذه المهمة كجمعية التعليم الديني التي كانت السبّاقة في تبني هذا النهج وهدفا من أهداف تأسيسها وانتقلت بهذه الوظيفة في تبني هذه المهمة الى المجال المؤسسي من إعداد الكوادر للتعليم الديني في المدارس الرسمية بعد فرض حصة خاص للتعليم الديني في الصفوف الابتدائي الى إقامة المؤسسات التعليمية والتربوية إسوة بغيرها من المؤسسات الأخرى لسائر الطوائف اللبنانية التي رما يعود تاريخ تأسيسها الى ما قبل تأسيس ما يسمى بدولة لبنان الكبير لظروف نعرفها ولا داعي للدخول في ذكرها”.

 

وتابع: “قد كان الشعور بالحاجة الى هذا النشاط والانتقال به من المجال الضيق الذي كان يقتصر الى نشاط العلماء والخطباء في المساجد والحسينيات في المناسبات الخاصة وانتهاز الفرص كالصلاة في المساجد والمناسبات كشهر رمضان أو مناسبات ولادات أو وفيات الأئمة الى الندوات تعالج فيها مفاهيم معينة فرضتها طبيعة الإشكاليات الفكرية التي تطرح أفكارا مستوردة لا تجد لها مجالا إلا عبر التشكيك بالمفاهيم الدينية ومحاولة استغلال الفراغ الفكري في الساحة الإسلامية لطرح مفاهيم تستجيب لطموحات الأجيال الناشئة وجدت المجال مفتوحا أمامها لاجتياح الشباب والأجيال الجديدة التي بدت ثقافتها الإسلامية بدائية وسطحية وغير ناضجة بل معدومة أحيانا ومتأثرة بما قدمته المؤسسات التعليمية وخصوصا الثانوية والجامعية التي أعد لها خريجون تبنوا فكرا معاديا متعمدة، فاعتمدت أسلوب طرح الإشكاليات من دون مناقشة ومن دون طرح الأجوبة التي يُقدمها الفكر الديني الذي ساهم في ذلك، إن الذين يقومون بمهمة التبليغ الديني غير مطلعين على المدارس الفكرية العالمية الحديثة التي كانت لها وظيفة مرتبطة بأهداف استعمارية ترى في الإسلام وثقافته عائقا امامها لم يخف من يقف وراءها العمل على تحقيقها بتجهيل الناشئة أولا بدينهم وثقافتهم، وثانيا بإعطاء صورة مشوهة عن الدين تطرح في مسألة المساواة بين الرجال والنساء ومسألة الحريات والعدالة، وثالثا عبر تحميل الدين والثقافة السائدة مسؤولية التخلف الذي تعاني منه الأمة، ورابعا عبر الادعاء ان الخروج من التخلف متوقف على التخلص من الدين ومفاهيمه التي تمنع الأخذ بالعلم بل تعارضه وتنفيه. لقد كان ذلك كافيا في دفع عدد من المخلصين من العلماء والمثقفين ومن اجل أهل الفكر ان ينشطوا في هذا المجال لمواجهة هذه الحرب الفكرية والثقافية وأن يتصدوا للفكر الطارئ والمعادي ولحملة التشويه التي تطال الإسلام وثقافته بإصدارات فكرية عميقة وبجهود ومبادرات فردية في كثير من الأحيان أعقبها قيام جمعيات تحت الحاجة الى تعميم هذا الفكر فبادرت الى إقامة الندوات والمحاضرات وأظهرت هشاشة الفكر المضاد وفضحت أهدافه ومراميه سرعان ما أتت كلها بعد صراع مرير مع الحركات ذات الطابع اليساري وانعكس ذلك على مجالس عاشوراء التي حمت هذا الإرث على مر التاريخ على الرغم من أن السيرة الحسينية كانت تقتصر على نقل مجريات الحدث من دون تناول أبعادها الفكرية والعقائدية والقيم الأخلاقية التي كانت إحدى تراث ثورة الإمام الحسين، ولكنها حفظت لنا هذا التراث واستعصت على العاملين على تشويهها ودفع المؤمنين الى التخلي عنها أو التغيير في طريقة إحيائها والتعبير عنها بشكل جاف خالٍ عن المشاعر والعواطف التي تجعل الارتباط بها أكثر عمقا وتأثرا وإلا تصبح كسائر الروايات التاريخية التي تحكي حدثا معينا لمجرد العلم والاطلاع”.

 

واضاف: “إن إحياء عاشوراء تأثر بهذا التطور الذي حدث على الصعيد الفكري والثقافي وأصبحت وسيلة كما خطط لها من قبل أئمة أهل البيت لإحياء رسالة الإسلام الذين أؤتمنوا عليها وكانت تضحياتهم في أجلها ولحفظها، وهي تؤدي الى جانب غيرها من الشعائر مهمة التعبير عن رسالة الإسلام بتلاوة أحداث كربلاء والإضاءة على تفاصيل تفاصيلها لأن كل تفصيل منها يوضح جانبا من جوانب هذه الثقافة ويُبرز جانبا من القيم التي تشكل رسالة الإسلام الحقيقية، وهي بحد ذاتها تشكل قيمة ذاتية، تفرد مذهب أهل البيت بهذه المدرسة التي لن نجد لها مثيلا عند سائر أصحاب المدارس الأخرى وهو سر بقائها واستمرارها وقوتها رغم كل الظروف القاسية التي مرت بها والموانع والصعوبات التي واجهت القائمين عليها من القتل والتشريد والتشويه والاتهامات، وشكلت مدرسة بحد ذاتها في الفكر والأدب، شعرا ونثرا، والثورة والمواجهة وبقيت مصدر إلهام لكل الثائرين وتأثر بها الكثير من المفكرين والأدباء والشعراء حتى أصبح الحسين شعارا عالميا.

ولكن هل أخذت الثورة الحسينية ما تستحقه من الدراسة والعناية؟ أعتقد أننا ما زلنا بحاجة الى بذل الكثير من الجهد في هذا المجال، وتتحمل المؤسسات ذات الطابع التعليمي الديني مسؤولية خاصة في تعميم ثقافة كربلاء وقيمها على أبنائنا الذين يتعرضون لضغوط إعلامية كبيرة لسلخهم عن بيئتهم الفكرية والثقافية والدفع بهم الى الانحراف وتحويلهم الى أعداء وأدوات تساهم في نشر الفساد الفكري والاجتماعي والثقافي، بعد ان اختبر أعداؤهم خطر ثقافة مدرسة عاشوراء التي كان لها الأثر العميق في مواجهة الغرب في ساحات المنازلة مع قاعدته المتقدمة (ما يسمى بإسرائيل) وأنزلت بها شر هزيمة لأول مرة في العصر الحالي على الأقل بعد سلسلة هزائم تعرض لها العرب والمسلمون، وبعد توقيع اتفاقية الذل والاستسلام لبعض الأنظمة العربية والإسلامية مع العدو الإسرائيلي، أعني اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، وبعد الخروج الذليل للمقاومة الفلسطينية من لبنان وفشلها مع حلفائها في تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها”.

 

وتابع: “إن هذا الامتياز يعود الى هذه المقاومة التي تبنت الحسين شعارا وثقافة ونهجا. سبق هذا الإنجاز والتحدي مثال آخر هو انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني في وجه الغرب وعملائه التي ما زالت تتحداه وتسير بخطى ثابتة نحو أهدافها معتمدة على ثقافة كربلاء، حيث قال الامام الخيمي: (كل ما عندنا من عاشوراء).

لقد شكلت عاشوراء وثقافتها على مر هذا التاريخ المعين الصافي الملهم لأبطال هذه الأمة الذين كانوا كما أبطال اليوم العامل الحاسم عند مفاصل التاريخ. لقد كتب الكثير عن أسباب نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية التي التقت على أن ثقافة كربلاء الحسين العامل الأساس في ذلك، ومن الطبيعي أن تتوجه المعادي الى انتزاع هذا العامل”.

Leave A Reply